الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/ فأجاب: الحمد الله، اتفق المسلمون على أنها من القرآن في قوله: أحدها: أنها ليست من القرآن، وإنما كتبت تبركا بها، وهذا مذهب مالك، وطائفة من الحنفية، ويحكي هذا رواية عن أحمد ولا يصح عنه، وإن كان قولًا في مذهبه. والثاني: أنها من كل سورة، إما آية، وإما بعض آية، وهذا مذهب الشافعي ـ رضي الله عنه. والثالث: أنها من القرآن حيث كتبت آية من كتاب الله من أول كل سورة، وليست من السورة. وهذا مذهب ابن المبارك، وأحمد/ بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ وغيرهما. وذكر الرازي أنه مقتضي مذهب أبي حنيفة عنده. وهذا أعدل الأقوال. فإن كتابتها في المصحف بقلم القرآن، تدل على أنها من القرآن وكتابتها مفردة مفصولة عما قبلها وما بعدها تدل على أنها ليست من السورة، ويدل على ذلك ما رواه أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن سورة من القرآن ثلاثين آية، شفعت لرجل، حتى غفر له. وهي ومثله حديث ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل الصورة حتى تنزل /أحدهما: أنها من الفاتحة دون غيرها، وهذا مذهب طائفة من أهل الحديث، أظنه قول أبي عبيد، واحتج هؤلاء بالآثار التي رويت في أن البسملة من الفاتحة. وعلي قول هؤلاء، تجب قراءتها في الصلاة، وهؤلاء يوجبون قراءتها وإن لم يجهروا بها. والثاني: أنها ليست من الفاتحة، كما أنها ليست من غيرها، وهذا أظهر فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالي: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي، ونصفها له، ولعبدي ما سأل، يقول العبد: وقد روي ذكرها في حديث موضوع، رواه عبد الله بن زياد بن سَمْعَان، فذكره مثل الثَّعْلَبي في تفسيره، ومثل من جمع أحاديث الجهر، وأنها كلها ضعيفة، أو موضوعة. ولو كانت منها، لما كان للرب/ ثلاث آيات ونصف، وللعبد ثلاث ونصف. وظاهر الحديث أن القسمة وقعت على الآيات، فإنه قال: (فهؤلاء لعبدي). وهؤلاء إشارة إلى جمع، فَعُلِم أن من قوله: وأيضًا، فإن الفاتحة سورة من سور القرآن، والبسملة مكتوبة في أولها، فلا فرق بينها وبين غيرها من السور في مثل ذلك، وهذا من أظهر وجوه الاعتبار. وأيضًا، فلو كانت منها، لتليت في الصلاة جهرًا، كما تتلى سائر آيات السورة، وهذا مذهب من يرى الجهر بها كالشافعي وطائفة من المكيين والبصريين، فإنهم قالوا: إنها آية من الفاتحة يجهر بها: كسائر آيات الفاتحة، واعتمد على آثار منقولة بعضها عن الصحابة، وبعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأما المأثور عن الصحابة، كابن الزبير ونحوه، ففيه صحيح، وفيه ضعيف. وأما المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو ضعيف، أو موضوع، كما ذكر ذلك حفاظ الحديث كالدارقطني، وغيره. ولهذا لم يرو أهل السنن والمسانيد المعروفة عن النبي/ صلى الله عليه وسلم في الجهر بها حديثًا واحدًا. وإنما يروي أمثال هـذه الأحاديث من لا يميز من أهل التفسير: كالثعلبي ونحوه، وكبعض مـن صنف في هـذا الباب مـن أهـل الحـديث، كما يذكره طائفة من الفقهاء في كتب الفقـه، وقـد حكى القـول بالجهـر عن أحمد وغيره بناء على إحدى الروايتين عنه من أنها مـن الفاتحـة، فيجهـر بها كما يجهر بسائر الفاتحة، وليس هذا مذهبه، بل يخافت بها عنده. وإن قال هي من الفاتحة لكن يجهر بها عنده لمصلحة راجحة، مثل أن يكون المصلون لا يقرؤونها بحال، فيجهر بها ليعلمهم أن قراءتها سنة، كما جهر ابن عباس بالفاتحة على الجنازة، وكما جهر عمر بن الخطاب بالاستفتاح، وكما نقل عن أبي هريرة أنه قرأ بها، ثم قرأ بأم الكتاب، وقال: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه النسائي. وهو أجود ما احتجوا به. وكذلك فسر بعض أصحاب أحمد خلافه، أنه كان يجهر بها إذا كان المأمومون ينكرون على من لم يجهر بها، وأمثال ذلك. فإن الجهر بها والمخافتة سنة، فلو جهر بها المخافت، صحت صلاته بلا ريب. وجمهور العلماء ـ كأبي حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي ـ لا يرون الجهر، لكن منهم من يقرؤها سرًا، كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما، ومنهم من لا يقرؤها سرًا ولا جهرًا، كمالك. /وحجة الجمهور ما ثبت في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وفي لفظ لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة، ولا آخرها واللّّه أعلم.
فأجاب: أما اللحن في الفاتحة الذي لا يحيل المعني، فتصح صلاة صاحبه، إمامًا أو منفردًا، مثل أن يقول وأما ما قرئ به مثل: الحمد الله ربَّ، وربِّ، وربُّ. ومثل الحمد الله، والحمد الله، بضم اللام، أو بكسر الدال. ومثل عليهِمُ، وعليهم، وعليهُمُ، وأمثـال ذلك، فهذا لا يعد لحنًا. وأما اللحن الذي يحيل المعني: إذا علم صاحبه معناه مثل أن يقول:
|